ثم من بعد ذلك تأتي أيضاً أمم أخرى، نحن إذا أردنا أن نعرف كيف نسد هذه الثغرة وهذه الفجوة في الأمم الأخرى؛ فينبغي لنا أن نجمع بين آيتين من كتاب الله تبارك وتعالى أو ثلاث, ويمكن أن نستنبطها من مجموع آيات؛ فإذا جمعنا كل قصص القرآن وما يدل عليه ووضعناها أمامنا؛ فمن مجموع هذه الآيات نستنبط فعلاً حقائق عجيبة. هنا في هذه المسألة نشير إلى نوع جليل عظيم من أنواع التفسير؛ وهو تفسير القرآن بالقرآن -ونشيد بالذات بما فعله شيخنا العلامة
محمد الأمين الشنقيطي رحمة الله تبارك وتعالى عليه في كتابه الجليل:
أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن ؛ فقد أبدع في ذلك وجمع شتات ما كان من قبل, وأعطانا منهجاً في هذا الشأن.إذا جمعنا الآيات المتعلقة بهذا نجد خلاصة عجيبة ومتميزة في هذا الشأن، فمثلاً: ذكر الله تبارك وتعالى في سورة إبراهيم: ((
قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ ))[إبراهيم:9] فذكر قروناً لا يعلمها إلا الله.ونجد أنه في سورة الفرقان قال: ((
وَعَادًا وَثَمُودَ وَأَصْحَابَ الرَّسِّ وَقُرُونًا بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيرًا ))[الفرقان:38], فهنا فجوة موجودة في التاريخ؛ لكن بماذا نحلها؟!نحلها بأن نعلم أن هناك قروناً كثيرة، وهذا الكثير لا يعلمه إلا الله تبارك وتعالى، وأن هذه الفجوة موجودة بعد ثمود, وكما حقق شيخنا رحمة الله تبارك وتعالى عليه في
أضواء البيان ؛ أن هذه القرون الكثيرة هي ما بين أصحاب الرس من جهة وقوم نوح وعاد وثمود من جهة.إذاً: في هذه الفترة قرون كثيرة لا يعلمها إلا الله، يقول
ابن مسعود رضي الله تعالى عنه كما روى
ابن جرير وغيره: [
كذب النسّابون؛ لأن الله تبارك وتعالى يقول: (( وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ ))[إبراهيم:9]].إذاً: كل سلسلة النسب التي نجدها في بعض الكتب -مع الأسف الشديد- تتحدث عن نسب النبي صلى الله عليه وسلم والأنبياء قبله إلى آدم عليه السلام كاذبة، ولم تكن مبنية على حق أبداً, وسوف نعرض إن شاء الله نماذج من ذلك, ونبين كيف أنه كذب وقول بغير علم بالفعل كما قال رضي الله تعالى عنه.حبر الأمة وترجمان القرآن
ابن عباس رضي الله تعالى عنه يزيد في هذا عند موضع في سورة إبراهيم عليه السلام ويقول: [
ما بعد معد بن عدنان فلا حقيقة له].يعني: أن اليقين في ما يعرفه العرب: هو نسب النبي صلى الله عليه وسلم إلى
معد بن عدنان ، أما ما بعده فلا يقين؛ بل قال: [
ثلاثون قرناً بين عدنان وإسماعيل], ومعنى ذلك: أننا إذا حسبنا القرن يعادل تقريباً خمسة وعشرين سنة أو ما بين عشرين سنة إلى ثلاثين سنة, والقرون الأولى كانت أعمارها أطول وأكثر، فيمكن أن نقول: إن ألف سنة وأكثر من ذلك منطقة مجهولة لا يعلمها هؤلاء.إذا وضعنا هذا في اعتبارنا ووضعنا أن هناك ما بين ثمود وما بين أصحاب الرس هذه الفجوة، ثم نجد بعد ذلك أن أصحاب الرس لا نعلم حقيقتهم -فعلاً كما ذكر الشيخ
الشنقيطي رحمة الله تبارك وتعالى عليه- ولم يأت في الكتاب ولا في السنة ما يبين حقيقتهم ولا تاريخهم؛ فيظل هناك مرحلة معينة كان فيها هؤلاء القوم.